السبت، 19 فبراير 2011

المرأة والرجل.. صداقة أم «علاقة»؟

هل يؤمن الرجل بالصداقة مع المرأة؟ هل توافق المراة على صداقة الرجل؟ أم ان هذا المعنى النبيل ليس سوى «فخ» ينصبه الرجل لاصطياد شريكة فراش، او «طعم» تغوي به المرأة شخصا لاستغلاله من اجل مصلحة شخصية؟! اسئلة كثيرة تظل تطرح نفسها منذ الازل، بلا إجابة حاسمة.
كثيرا ما يتقابل الرجل والمرأة، ليبدأ حوار ناعم لطيف ومتفهم لكل الاختلافات والظروف، ومغلف بتصرفات شديدة الرقي، ما ينذر بعلاقة صادقة وراسخة ومحترمة.. لكن سرعان ما ترتبك العلاقة وتدخل في نفق معتم، فإما ان يعلن احدهما عن رغبته وهدفه الحقيقي او يكتشف الطابع النفعي والانتهازي للعلاقة، أو يدرك أنه محط إغواء واستدراج لمسار آخر للعلاقة لم يتضح منذ البداية لانه كان مختبئا خلف ستار «صداقة» بريئة.
فهل من الصعب اقامة علاقة صداقة حقيقية بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا العربية؟ ولماذا تفشل معظم هذه العلاقات او تتحول الى علاقات من نوع آخر؟ وما المقومات المطلوبة حتى تحافظ تلك العلاقة على قوتها واستمرارها ولا تنعطف في مسار اخر يقضي عليها؟.. اسئلة تم طرحها في استبيان أجريته على 60 رجلا وامرأة من اعمار وجنسيات وثقافات مختلفة، مجرد عينة عشوائية تعبر عن طرق تفكير الجمهور العربي في تلك العلاقة.
هاجس جنسي
ثمانية أشخاص اعترضوا اصلا على مفهوم «الصداقة» بين الرجل والمرأة، ووفروا على انفسهم عناء مناقشة الامر او قبول الاختلاف فيه، مستندين الى اعتبارات اجتماعية وشرعية تحرم التقاء الطرفين خارج اطار الزواج او العلاقات المحرمة.
بينما رأى 22 شخصا ان علاقة الصداقة بمعناها الدقيق الذي يشير الى المشاركة الفعلية في كل تفاصيل الحياة، وتواجد الصديقين أحدهما مع الآخر في اي وقت وأي مكان، والتزاور بحرية، او المساندة المالية والمعنوية، هو امر غير واقعي ومحظور ولا يمكن حدوثه في مجتمعاتنا العربية المحافظة، وبالتالي ما يوجد بين الرجل والمرأة في اكثر المناطق انفتاحا هو مجرد زمالة او تعارف او علاقات عمل، او مشروع زواج وكلها مشروطة مسبقا بالا تتجاوز حدودا معينة.
تساؤل!
وطرح البعض تساؤلا: كيف يمكن لأب ان يسمح لابنته، او زوج لزوجته بأن تخرج أو تتحدث أو تتعامل مع رجل بحرية مطلقة، كما هي مع صديقاتها، أو كما هو مع صديقه دون ان يخاف انزلاق الطرفين في علاقة مشبوهة؟! فمن الاحسن ألا نناقش هذه الفكرة ولا نروّ.ج لها، لانه يصعب تحقيقها واقعيا وتستخدم كقناع لاشياء اخرى.
وأكد هؤلاء ان الرجل والمرأة والمجتمع غير مؤهلين لقبول علاقة اكثر ارتباطا من ذلك، لأن الهاجس الجنسي سيظل مخيما عليها فمعظم الرجال لا ينظرون للمرأة بجدية مهما كانت مثقفة او متعلمة ويفكرون بها كشريك جنسي محتمل اذا سنحت الفرصة ووجدوا تجاوبا منها، كما ان اغلب النساء يتشبثن بأي رجل ناجح من اجل الارتباط به، بل واحيانا يقبلن حتى بغير الناجح عملا بالمثل: «ظل راجل ولا ظل حيطة» خوفا من العنوسة. وهناك من يقيم ـ من الرجال والنساء ـ علاقات عاطفية وجنسية، موازية للزواج اذا كانت العلاقة الزوجية فاشلة او غير مشبعة، لكن تحت لافتة «الصداقة»!
نضج نفسي
وجاء كلام باقي العينة غير بعيد تماما عن هذه المخاوف، لكنهم اقروا امكان قيام علاقة صداقة حقيقية، واضحة، ومحددة المعالم، وان كان ذلك صعبا ويحتاج الى درجة عالية من النضج الفكري والنفسي والوعي العقلي، وان يعرف كل طرف ماذا يريد من الاخر، وان ترتكز العلاقة على منطق ومنهج واضحين من دون لبس او تشويه، وان يكون الطرفان على دراية باحتياجاتهما احدهما من الآخر ومن العلاقة، بما في ذلك الجانب الجسدي.
ويظل الجانب الجنسي محل خلاف بين المؤمنين بإمكان الصداقة بين الجنسين، ففي حين يتقبل البعض وجود علاقة جنسية بين الرجل والمرأة احيانا كحالة طارئة واستجابة لحاجة بيولوجية قد تفرض نفسها لأسباب كثيرة، ومن الممكن بعدها ان تستمر علاقة الصداقة كما بدات ولا يكون ذلك مبررا لانتهائها.. يعترض البعض الاخر، فرغم ان الجنس يعد ضاغطا خصوصا في المجتمعات المغلقة، فان حدوث علاقة جنسية بين الصديق وصديقته، يعني نشوء شكل مختلف للعلاقة على انقاض صداقة اصبح من الصعب استمرارها، لذا ليس من الجيد التضحية بعلاقة الصداقة كقيمة واستبدالها باخرى تهدف الى متعة وقتية، ورغم ان ذلك سيكون حتما باختيار الطرفين فانه يضرب بعمق في معنى الصداقة كقيمة انسانية متجاوزة للفروق الجنسية.
اختلاف
لا شك ان مفهوم الصداقة قد اختلف بين الامس واليوم، وان تلك العلاقات الحميمة، الودودة، والصافية التي كانت تجمع بين اغلب الناس، اصبحت نادرة في عصر تراجعت فيه القيم والمبادئ النبيلة، وطغى عليه الحس المادي والرغبة في الاستفادة من اي شخص وتسخير علاقتنا به لمصلحتنا الشخصية، بما تشتمل عليه هذه المصلحة من الالتحاق بوظيفة او الترقية لمنصب معين او الترشح لعمل ما او الحصول على تكريم او جائزة او حتى اشباع رغبة جنسية. واذا كانت مظاهر الاستغلال هذه تصلح في العلاقة بين الرجل والرجل او المرأة والمرأة، يبقى الاشباع الجنسي الهدف الاكبر في علاقات الصداقة المزيفة بين الرجل والمرأة، مما يجعل اصل العلاقة بينهما مشوبا بالتوجس والمخاوف وعدم تصديق ان بامكاننا تجاوز رغباتنا وعقد علاقة محايدة بيننا وبين الاخر المختلف عنا في الجنس.
انجذاب
لا احد ينكر الانجذاب العاطفي والجنسي والاعجاب الانساني الذي غالبا ما يغلف العلاقة بين الرجل والمرأة، خصوصا اذا كان كل طرف يرى في الاخر نموذجا للصفات والطبائع والافكار التي يحبها ويسعده التواصل معها، ويظل هذا الانجذاب موجودا بنسب متفاوتة حسب نوع العلاقة وطبيعة المجتمع والثقافة التي ينتميان اليها، فقد تسمح بالتعبير بدرجات مختلفة عن هذا الانجذاب والاعجاب، ففي المجتمعات المنفتحة والتي ينشأ فيها الرجل والمرأة على درجة عالية من الحرية، نجد ان الصداقة بين الجنسين موجودة ومحاطة بالاحترام والقبول الاجتماعي حتى وان تخللها نوع من المشاعر او الاحساس بالانجذاب الجنسي، فسرعان ما يتم تجاوزهما وتصحيح مسار العلاقة او استئنافها بالشكل السابق مرة اخرى، دون ان يؤثر ذلك في قوتها طالما توافرت فيها عناصر القوة والاستمرار.. اما في مجتمعاتنا، فالصداقة بين الجنسين غالبا ما تكون اسيرة لأنماط مشوهة.
رهان
ربما يكون ذلك حالة من التثبيت على مرحلة بدائية كانت فيها العلاقة بين الرجل والمرأة محصورة في كونهما معزولين تماما أحدهما عن الآخر ولا يسمح لهما بالالتقاء الا في مواسم التزاوج، اي عبر العلاقة الجنسية والانجاب، فالصورة الكامنة في لا وعي كل طرف تستحضر الطرف الاخر كمجرد شريك جنسي، مهما اختلفت صور العلاقة، وعلى الرغم من التقدم الهائل وخروج المرأة للدراسة والعمل والحياة، فان هذه العلاقة الاولية مازالت راسخة في لاوعي الكثيرين.
ويبقى امكان وجود ونجاح علاقة الصداقة بين الجنسين، مجرد رهان فردي لا مجتمعي، في حال توافر المناخ الملائم من تفهم الطرفين والتقائهما في نقطة محايدة، من دون إنكار لوجود الانجذاب الجسدي والعاطفي لانه وجود بالقوة بحكم الطبيعة يصعب تجاهله، وانما مع تجاوزه والارتقاء به طالما ان الظروف الشخصية والاجتماعية لكل طرف لا تقبل بتفعيله.. يحدث ذلك بالصدق مع النفس والحرص على علاقة نراها جيدة وحامية لنا من اغتراب الذات، وهذا ما صرح به احدهم حين قال: احيانا افكر جنسيا في صديقاتي، خصوصا المثيرات منهن، والحقيقة انني اكره نفسي بعدها لاننا اتفقنا على ان ما يجمعنا صداقة محترمة فقط، لم اصرح بهذه الافكار لهن او لغيرهن واحاول القفز عليه سريعا، حتى اصبحت لا تمثل نسبة تزيد على 4% من مساحة تفكيري بهن، لانني احلم بان تكون الصداقة بين الرجل و المرأة نقية لا يشوبها شيء مسروق.. لكي يحدث تغير نوعي في المجتمع الذي لابد ان يتطور فكريا وينضج عاطفيا وجنسيا، ويمنح افراده فرصة كافية للاقتراب والتعارف والتفاعل بغض النظر عن الفروق الجنسية، بدلا من هذا العزل والفصل اللذين يجعلان من كل طرف مجرد «صيد ثمين» وفرصة لتحقيق اغراض خفية!.